من وحي الرسالة.. مكانة النبي الأكرم وعمله قبل البعثة
أصبح النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم في مطلع شبابه موضع احترام في مجتمعه، لِمَا كان يمتلكه في شخصيّته من القيم الأخلاقية ووعي، وحكمة، وإخلاص، وبُعد نظر.
إيصال نيوز/ كانت للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم رحلتان إلى الشام، إحداهما: بصحبة عمّه، والأخرى: بصحبة غلام لخديجة في تجارة لها.
لقاء الراهب بحيرا
في الرحلة الأولى، كان عمر النبيّ اثنتي عشرة سنة، وكان مع عمّه أبي طالب ضمن قافلة تجارية لقريش. وفي الطريق توقّفت القافلة في منطقة تسمى بُصرى، وكان فيها راهب يدعى بحيرا.
وقد اتّفق أن التقى الراهب قافلة قريش ولفتت نظره شخصيّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وراح يتأمّل ويحدّق في صفاته وملامحه، خاصة بعد أن رأى أنّ سحابة من الغيم ترافقه صلى الله عليه وآله وسلم أينما جلس لتحميه من حرّ الشمس، فسأل عنه بعض من في القافلة فأشاروا إلى أبي طالب وقالوا له: هذا عمّه، فأتى الراهب أبا طالب وبشّره بأنّ ابن أخيه نبيّ هذه الأمّة وأخبره بما سيكون من أمره بعدما كان قد كشف عن ظهره ورأى خاتم النبوّة بين كتفيه ووجد فيه العلامات التي وصفته بها التوراة والأناجيل وغيرها[1].
وتذكر النصوص أنّ بحيرا أصرَّ على أبي طالب بأن يعود به إلى مكة وأن يبقيه تحت رقابته خوفاً عليه من اليهود وغيرهم، فقطع أبو طالب رحلته ورجع به إلى مكّة.
وفي الرحلة الثانية كان عمر النبيّ خمساً وعشرين سنة، ويقول المؤرّخون: إنّ سفره هذا كان في تجارة لخديجة بنت خويلد قبل أن يتزوّج بها، وإنّ أبا طالب هو الذي أشار عليه بالعمل بالتجارة مع خديجة بسبب الوضع المادّيّ الصعب الذي كان يعيشه آنذاك[2].
فدخل مع خديجة في شراكة تجارية، ولم يكن أجيراً لها، إذ لم يكن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أجيراً لأحد قط.
وسافر برفقة ميسرة وهو يعمل لدى خديجة وربح في تجارته أضعاف ما كان يربحه غيره، وظهرت له في سفره بعض الكرامات الباهرة، فلمّا عادت القافلة إلى مكّة أخبر ميسرة، غلام خديجة، سيدته بذلك[3].
بقي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في رعاية عمّه أبي طالب حتّى كبر وبلغ الخامسة والعشرين من عمره فتزوّج بخديجة بنت خويلد.
الزواج من خديجة
أصبح محمّد صلى الله عليه وآله وسلم شاباً، وأخذ اسمه يحتلّ مكاناً مرموقاً في أوساط قريش فعُرف بصدق الحديث وعظيم الأمانة وكرم الأخلاق.
وفي عمر السابعة والثلاثين، أي قبل البعثة بثلاث سنوات أو في السنة الخامسة والثلاثين، أي قبل البعثة بخمس سنين، تزوج بخديجة بنت خويلد زوجته الأولى بعد عودته من رحلته الثانية إلى الشام، وقيل إن عمره كان أكثر من ذلك بعدّة سنوات أي في سن 30 أو 37 سنة.
ونكاد نقطع بسبب كثرة النصوص، أنّ خديجة هي التي بادرت أولاً وأبدت رغبتها في الزواج من محمّد صلى الله عليه وآله وسلم بعدما رأت فيه من الصفات النبيّلة ما لم تره في غيره.
ويرجّح كثير من المؤرّخين أن يكون عمر خديجة حين زواج النبيّ بها ثمانية وعشرين عاماً وليس أكثر من ذلك[4].
كما أنها لم تتزوّج قبله بأحد قطّ، وإنّما تزوّج بها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وكانت بكراً. وأمّا النصوص التي تفيد أنّها تزوّجت قبله برجلين هما: عتيق بن عائذ المخزوميّ، ثم أبو هالة التميميّ، فإننا نحتمل جداً أن تكون مما صنعته يد السياسة بهدف إلحاق الأذى بشخصيتها وشأنها بين الناس، خصوصاً مع الالتفات إلى شخصية عتيق[5].
وولد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من السيدة خديجة عليها السلام القاسم وعبدالله (يلقب بالطاهر) وقد مات كلاهما في الصغر بمكة، والسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، ثم ولد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مارية القبطية إبراهيم وتوفي وهو صغير[6].
عمله صلى الله عليه وآله وسلم قبل البعثة
ليس هناك أيّ عيب أو نقص في أن يقوم الإنسان بالعمل والكدح في سبيل تأمين العيش الكريم. والعمل في سبيل العيش من سنن الأنبياء والمرسلين.
وقد عاش الكثيرون من الأنبياء من عمل أيديهم وعرق جباههم، وأتقنوا بعض المهن والأعمال الشريفة حتّى لا يكونوا عبئاً على أحدٍ من الناس.
وقد أوصى الإسلام بالعمل للدنيا والآخرة، وأكّد عليه، ورغَّب به، وندّد بالكسالى الذين يُحقّرون الأعمال الصغيرة الشريفة ويرفضونها ليتحوّلوا إلى عبءٍ على المجتمع بسبب بطالتهم.
وكان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قبل البعثة يقوم بعدّة أعمال لتأمين العيش وكسب الرزق، فيذكرون: أنّه كان يرعى الغنم لأهله في مرحلة الصبا ومطلع الشباب، كما أنّه عمل في التجارة الخارجية مع خديجة عندما أصبح شابّاً في عمر الخامسة والعشرين.
ثم إن تجارة النبيّ مع خديجة كانت على نحو المضاربة والمشاركة، ولم تكن على نحو الإجارة، فلم يكن النبيّ أجيراً عند خديجة يأخذ بدل ما يُقدّمه من أتعاب، وإنّما كان شريكاً لها في تجارتها وله نسبة في الأرباح.
مكانة النبيّ محمّد قبل البعثة
أصبح النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم في مطلع شبابه موضع احترام في مجتمعه، لِمَا كان يمتلكه في شخصيّته من وعي، وحكمة، وإخلاص، وبُعد نظر.
وقد اشتُهر بسمّو الأخلاق، وكرم النفس، والصدق والأمانة حتّى عُرف بين قومه بالصادق الأمين، كما اشتُهر برجاحة عقله، وصوابيّة رأيه حتّى وَجَدَ فيه المكّيّون والقرشيّون سيّداً من سادات العرب الموهوبين، ومرجعاً إليهم في المهمّات وحلّ المشكلات والخصومات[7].
وكان الناس يتحاكمون إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في الجاهلية، لأنّه كان لا يُداري ولا يُماري[8].
یشار أن الثامن والعشرون من شهر صفر یوافق ذكرى وفاة النبي الأعظم سيد الكائنات محمد المصطفی (ص)، هذا الرجل الذي كرمه الله بمعجزةٍ خالدة عبر الأزمان، وكانت حياته، رغم كل ما مر فيها من صعوبات، مثالًا يحتذى به في صناعة الإنسان وهدايته وانتشاله من الظلمات إلى النور، بالفعل والقول، بالدين والخلق الحسن، فاستحق النبي “ص” أنّ يكون عنونًا ومدرسةً في تكريس الأخلاق كمسارٍ ديني عبادي يوصلنا لرضا الله عز وجل.
المصدر: شبكة المعارف الإسلامية الثقافية
التقارير التي يعاد نشرها من المواقع اﻷخرى تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع
[1] الطبري، محمد بن جرير، دلائل الإمامة، تحقيق ونشر: قسم الدراسات الإسلامية – مؤسسة البعثة – قم، 1413ه، ط1، ص11، ح3.
[2] الصنعاني، أبي بكر عبد الرزاق بن همام، عني بتحقيق نصوصه وتخريج أحاديثه والتعليق عليه: الشيخ المحدث حبيب الرحمن الأعظمي، من منشورات المجلس العلمي، لا.د، لا.ط، لا.ت، ج5، ص318، باب ما جاء في حفر زمزم، ح 9718، ابن هشام، عبد الملك بن هشام، السيرة النبوية، تحقيق وضبط وتعليق: محمد محيي الدين عبد الحميد، المطبعة: المدني – القاهرة، الناشر: مكتبة محمد علي صبيح وأولاده – بمصر، 1383 – 1963م، لا. ط، ج1، ص118، ابن سعد، محمد بن سعد، الطبقات الكبرى، دار صادر – بيروت، لا.ت، لا.ط، ج1، ص121، العاملي، السيد جعفر مرتضى، الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، ج2، ص176 ـ ج3، ص23.
[3] العاملي، السيد جعفر مرتضى، الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، ج2، ص198.
[4] البيهقي، أحمد بن الحسين، دلائل النبوة، تحقيق: وثق أصوله وخرج حديثه وعلق عليه: الدكتور عبد المعطي قلعجي، بيروت ـ لبنان، دار الكتب العلمية، 1405 – 1985م، ط1، ج2، ص71.
[5] الهيثمي، نور الدين علي بن أبي بكر، مجمع الزوائد، ج9، ص219، باب فضل خديجة بنت خويلد زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
[6] الشيخ الطبرسي، الفضل بن الحسن، تاج المواليد (المجموعة)، ص8، ابن شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب، تحقيق: تصحيح وشرح ومقابلة: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، النجف الأشرف، المكتبة الحيدرية، 1376 – 1956م، ج1، ص162، الشيخ الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج3، ص262.
[7] العلامة المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج18، ص168.
[8] الطبراني، سليمان بن أحمد، المعجم الأوسط، تحقيق: قسم التحقيق بدار الحرمين، دار الحرمين، 1415 – 1995م، لا.ط، ج2، ص145.
شفقنا