نعيش في عصر مليء بالأزمات حيث يشهد العالم أعلى معدل للصراعات العنيفة منذ الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى زيادة مستمرة في شدة وتكرار الكوارث الطبيعية الناجمة عن التغيرات المناخية. على سبيل المثال، تشير التقارير إلى أن حجم حرائق الغابات الأخيرة في الولايات المتحدة تجاوز 35 ألف هكتار، وقدرة المجتمع الدولي على مواجهة هذه التحديات تُختبر بطريقة غير مسبوقة.
إيصال نيوز/ الاستجابات السريعة والدقيقة قادرة على إنقاذ الأرواح، وتقليل الخسائر، وتسريع عملية التعافي، وتمكين المجتمعات من العودة إلى حالتها الطبيعية في أقصر وقت ممكن.
تُعتبر المخاطر جدية للغاية، وفي ظل هذه الظروف تبرز أهمية الذكاء الاصطناعي والرقمية بشكل خاص. فقد غيّرت التكنولوجيا بشكل عام مختلف المجالات، ولم تكن الاستجابة للأزمات استثناء.
تستخدم UNDP (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي) هذه الأدوات لضمان دعم أسرع وأكثر فعالية للأشخاص المتأثرين بالأزمات. وكما أن التقنيات الأخرى وأدوات وبرامج الذكاء الاصطناعي تتأثر بقوى السوق وتتطور بناء على احتياجات القطاع الخاص، فقد بدأنا في المجالات الإنسانية والتنموية باستخدام هذه الإنجازات ونختبر كيفية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لزيادة كفاءة عملياتنا. بالإضافة إلى ذلك، فإن تعزيز الموارد وخبرات القطاع الخاص يمكن أن يُسرّع هذا الاتجاه.
إليكم كيف يستخدم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذكاء الاصطناعي ورؤيتنا لاستثماره في الاستجابة للأزمات في المستقبل:
أدوات الذكاء الاصطناعي وأنظمة المعلومات الجغرافية
توفر أدوات الذكاء الاصطناعي، لا سيما أنظمة المعلومات الجغرافية (GIS) والصور الفضائية، تقييمات دقيقة وسريعة للمناطق المتضررة أثناء الأزمات، مما يُسرّع من وتيرة الاستجابة.
كيف يمكن للذكاء الاصطناعي إدارة الأزمات العالمية؟
1_ تقييم الأثر الرقمي في الوقت الفعلي
تُعد البيانات الفورية حول حجم الأضرار وآثار ما بعد الأزمة أمرا حيويا. لهذا الغرض، طوّر مكتب إدارة الأزمات في UNDP أدوات قائمة على أنظمة المعلومات الجغرافية (GIS) تُقدّم رؤى سريعة حول المناطق المتضررة، والسكان، والبنية التحتية، وتقديرات الحطام، واستخدامات الأراضي. تُعتبر هذه العناصر أساسية لتخطيط جهود الإنقاذ والتعافي.
أداة التقييم الرقمي السريع (RAPIDA) المدعومة بالذكاء الاصطناعي تستخدم الصور الفضائية، ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي، وبيانات الإضاءة الليلية لتقديم رؤى فورية بعد الأزمات. على سبيل المثال، بعد الزلزال الذي ضرب مدينة هرات في أفغانستان، استطاعت أداة RAPIDA تحديد المواقع المتضررة لإجراء تقييمات ميدانية. كما كانت الأداة فعالة في جمع البيانات القيمة وتحديد المناطق النائية والصعبة الوصول. بالإضافة إلى ذلك، مع إدخال معلومات حول مواد البناء وأبعاد المنشآت، أصبح من الممكن بسهولة تقدير عدد المنازل المتضررة وحجم الأنقاض.
2_ توظيف الكوادر البشرية بالذكاء الاصطناعي
تلعب الكفاءات البشرية المناسبة في مسرح الأزمات دورا بالغ الأهمية. لهذا الغرض، تم تصميم منصة نشر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي باستخدام تقنية EVA.ai لمواءمة الكوادر المؤهلة مع احتياجات الميدان. تأخذ المنصة بعين الاعتبار العديد من المعايير مثل الخبرة، والتوافر، والقرب الجغرافي، وإتقان اللغات، والخبرات المماثلة.
تكنولوجيا EVA.ai: دعم فعّال لإدارة الأزمات من خلال الذكاء الاصطناعي
تُمكّن تقنية EVA.ai، باستخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي، من تحديد وتنسيق الخبراء المتخصصين بسرعة لتلبية احتياجات الميدان، مما يساعد في تحسين التخطيط أثناء الأزمات.
بفضل EVA.ai، أصبح من الممكن تحديد الخبراء المناسبين بأسرع وقت وضمان جاهزيتهم وتوافرهم. منذ بداية هذا العام، قامت المنصة بتوظيف أكثر من 2450 موظفا عبر شبكتها لدعم المكاتب المختلفة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP حول العالم، بما في ذلك المناطق الحرجة مثل سوريا وأوكرانيا وباربادوس. لتعزيز هذه الشبكة، أطلق البرنامج مؤخرا طلبا عالميا لتوسيع قاعدة البيانات الخاصة به، مما أسفر عن استلام أكثر من 25,000 طلب.
جدير بالذكر أن أدوات الذكاء الاصطناعي مثل ميزة الإكمال التلقائي للبيانات ساهمت في تقليل الوقت اللازم لتقديم الطلبات إلى 2.5 دقيقة فقط.
3_ تجارب تدريب مخصصة
الإعداد المؤسسي لمواجهة الأزمات يتطلب تطويرا مستمرا للمهارات. توفر أكاديمية الأزمات التابعة لـ UNDP فرص تدريب وتعليم مركّزة لتحضير المستجيبين للأزمات. يستهدف البرنامج الموظفين من المستويات المتوسطة إلى العليا. بالإضافة إلى الدورات التدريبية عبر الإنترنت والبرامج الحضورية، تختبر الأكاديمية تقنيات جديدة لتحسين تجربة التعلم. في تدريب حديث للاستجابة السريعة أقيم في نيويورك، تم استخدام تقنية الواقع المعزز لمحاكاة الأزمات بشكل تفاعلي، مما أتاح للمشاركين تقييم الأضرار والآثار الناجمة عن الأزمات بشكل افتراضي.
كما يمكن استخدام هذه الأدوات لإطلاق “حقيبة ظهر” افتراضية تحتوي على موارد أساسية، مثل تقارير البلدان، ومتطلبات الأمان، والاحتياجات الطبية.
تشمل الرؤية المستقبلية تعزيز التخصيص في التعلم باستخدام نماذج الذكاء الاصطناعي التي تقدم تدريبات مخصصة بناء على احتياجات وخبرات المتعلمين.
4_ المساعد الرقمي لإدارة الأزمات
يدرك الخبراء في وقت الأزمات أن الحصول على المعلومات الدقيقة والموثوقة لإعداد خطط متكاملة أمر معقد. يمكن للتقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي أن تُبسّط المهام مثل تأمين الموارد، إعداد وثائق المشاريع، وتحسين التواصل مع الجهات الداعمة.
تعمل أكاديمية الأزمات التابعة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي على إعداد العاملين في مجال الأزمات بشكل فعال للتعامل مع المواقف المعقدة من خلال الاستفادة من التقنيات الجديدة مثل الواقع المعزز والذكاء الاصطناعي.
5_ الإدارة النشطة للأزمات
يستثمر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في أنظمة الإنذار المبكر، بحيث يهدف إلى تحويل نهج إدارة الأزمات من كونه تفاعليا إلى نهج استباقي. يجمع لوحة مراقبة مخاطر الأزمات البيانات التاريخية والفورية مع توقعات المخاطر المستقبلية في منصة مركزية تُستخدم للمراقبة، والتحليل، وتصوّر المخاطر. تعتمد هذه اللوحة على تقنيات الذكاء الاصطناعي لتنظيف وتحليل وتلخيص البيانات، مما يساهم في التنبؤ بالمخاطر وتحديد النقاط الحرجة قبل تصاعدها. على سبيل المثال، تُستخدم اللوحة في سريلانكا لمراقبة خطاب الكراهية والعنف الديني والقضايا الاقتصادية الكبرى، وفي الإكوادور لرصد التنقل والهجرة. الهدف النهائي هو تحويل هذه الأداة إلى منصة عمل متكاملة يمكنها تلقائيا إطلاق استجابات مؤسسية مثل تأمين الموارد وتوزيع الكوادر. مع التطورات المستمرة في الذكاء الاصطناعي وتوافر بيانات أفضل، يمكن أن تصبح لوحة مراقبة المخاطر أداة رئيسية للإنذار المبكر ضمن نظام الأمم المتحدة.
التوازن بين الابتكار والمسؤولية
على الرغم من الإمكانيات الهائلة للذكاء الاصطناعي، تبقى هناك تحديات أخلاقية، مثل الحفاظ على الخصوصية وتقليل التحيز، تتطلب رقابة بشرية دقيقة. يعد وضع معايير عالمية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في المجالات الإنسانية ضرورة ملحة لضمان استخدامه بشكل آمن وفعّال. باستخدام آمن وفعّال للذكاء الاصطناعي، يمكن تعزيز قدرات المجتمعات لمواجهة الأزمات، مما يُسهم في بناء عالم أكثر مرونة واستدامة.
انتهی/*
المصدر: موقع بازار
*المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع