رؤية الإدارة للسياسة الخارجية الأميركية خلال عهد جو بایدن ومدة نجاحها أو فشلها مرهون بقدرته على تحقيقها في الداخل.
عقيدة بايدن: ما لها وما عليها!
ليلى نقولا *
المیادین , 30 Jun 2021 ساعة 11:12
رؤية الإدارة للسياسة الخارجية الأميركية خلال عهد جو بایدن ومدة نجاحها أو فشلها مرهون بقدرته على تحقيقها في الداخل.
اتّضحت، بشكل مقبول، رؤية الإدارة الأميركية الحالية للسياسة الخارجية، والتي تُسمى عادةً باسم الرئيس. ويمكن القول إن عقيدة الرئيس الأميركي جو بايدن الذي يلحّ على إطلاق عبارة "أميركا عادت" في كل مناسبة، تتلخَّص بما يلي:
1- قوة أميركا في الداخل
إذا كانت هناك حقيقة بديهية بين مجتمع السياسة الخارجية الأميركية - عبر الأحزاب والإدارات والأيديولوجيات - فهي أنَّ الولايات المتحدة يجب أن تكون قوية في الداخل لتكون قوية في الخارج.
أفادت العولمة بشكل غير متناسب أصحاب الدخل المرتفع والشركات الكبرى في البلاد، وفاقمت التفاوت الاقتصادي بين الفئات الأميركية. وإضافةً إلى العنصرية التي تعد سمة المجتمع والقوانين الأميركية منذ تأسيس أميركا، فإن العولمة والتحولات التكنولوجية وهجرة المعامل والتصنيع إلى آسيا، أدخلت الطبقات المتوسطة في أزمات كبيرة، وحوّلت العديد من المدن الصناعية السابقة إلى مناطق مقفرة، وأجبرت ساكنيها على الهجرة القسرية أو الدخول في دوامة البطالة والفقر. كل هذه العوامل ساهمت في سطوع نجم رئيس شعبوي مثل دونالد ترامب، ورفعت أسهم تأييد اليمين الشعبوي.
واليوم، وفي ظلِّ جائحة كورونا التي أدخلت البلاد في أسوأ أزمة اقتصاديَّة منذ الكساد الكبير، والتي فاقمت التفاوتات العميقة في المجتمع الأميركي، وأطلقت مستوى من الاضطرابات المجتمعية لم تشهدها الولايات المتحدة منذ حركة الحقوق المدنية في ستينيات القرن العشرين، تعيش الولايات المتحدة انقساماً سياسياً شديداً، بحيث تجد أن أي قانون يطرحه الديمقراطيون في الكونغرس لا يجد من يصوّت عليه من قبل الجمهوريين، مهما بلغت أهميته للجمهور الأميركي.
وعليه، كان بايدن مدركاً منذ البداية أنَّ الولايات المتحدة يجب أن تخلق وظائف جديدة، وتحسّن معيشة الفئات المتوسطة والفقيرة، وهو ما وعد بالقيام به، عبر خلق وظائف في الاقتصاد "الأخضر البيئي" والطاقة البديلة والتكنولوجيا، وتحسين مستوى معيشة السكان. إضافة إلى ذلك، قدم بايدن خطة داخلية للبنى التحتية تقدر بـ3 تريليون دولار، لتحديث الطرقات والمطارات والبنى التحتية التقليدية. وستسهم هذه الخطة في تنمية المجتمعات المحلية، عبر الاستثمار في شبكات الإنترنت والمياه النظيفة والمدارس ودور الحضانة وغيرها.
2- الأمن والدفاع
إضافة إلى البنى التحتية ومحاولة رأب الصدع السياسي عبر تفاهمات حزبية (لم تصل إلى أي نتيجة لغاية اليوم)، أقرّت إدارة بايدن موازنة ضخمة للدفاع. وتمّ تخصيص جزء كبير منها لتطوير الذكاء الاصطناعي ومنافسة الصين عسكرياً وتكنولوجياً وبحثياً.
يعتقد الأميركيون أنَّ الولايات المتحدة يجب أن تحافظ على مستوى دفاع وطني قوي لمواجهة الأعداء وردع الآخرين في الخارج. زد على ذلك، يشكّل الإنفاق على الدفاع والقاعدة الصناعية الدفاعية شريان الحياة والوظائف للعديد من مجتمعات الطبقة المتوسطة في جميع أنحاء البلاد. لذا، إن تقليص موازنة الدفاع سيسبب مشاكل لبايدن، سواء عبر مجموعات الضغط التي يوظّفها المجمع الصناعي العسكري، أو الطبقات التي ستتضرر من فقدان الوظائف نتيجة لذلك.
3- سياسة خارجية تخدم الطبقات المتوسطة
منذ مجيء بايدن، تمّ الإعلان عن أن السياسة الخارجية الأميركية التي عملت لمصلحة الشركات الكبرى والأثرياء الأميركيين على مدى عقود يجب أن تتغير، وبالتالي يجب النظر إلى السياسة الخارجية كمحفز للطبقات الوسطى، ولرفع مستوى معيشتها في الداخل.
إن جعل العولمة تعمل لصالح الطبقات الوسطى يتطلَّب سياسة خارجية اقتصادية تعطي الأولوية للسياسات التي تخلق مزيداً من فرص العمل في الداخل، ومعاقبة ممارسات التجارة الخارجية غير العادلة التي تضر بشكل خاص بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم والعاملين فيها (يقصد بها السياسات الصينية بشكل خاص)، ومساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة لتكون أكثر قدرة على المنافسة في الاقتصاد العالمي وجذب الاستثمارات.
ولكي يحصل بايدن على دعم داخلي لرؤيته الخارجية "عودة أميركا"، والَّتي تعني استعادة الهيمنة الأميركية على العالم، يحاول أن يكسب تأييد الطبقات المتوسطة، التي تهتم أكثر بالتهديدات المباشرة لأمنها المادي والاقتصادي أكثر من اهتمامها بتغيير الأنظمة وفرض الديمقراطية على الشعوب الأخرى.
4- عودة الخطاب الأيديولوجي: الديمقراطية مقابل الديكتاتورية
يعود بايدن اليوم إلى تعريف جديد للصراع الجيوسياسي في العالم، فيعطيه بعداً أيديولوجياً، ويعرّف العلاقات الدولية الحالية بأنها "صراع بين الديمقراطية والاستبداد"، وهو يعتبر أنَّ خط الانقسام الرئيسي في السياسة الدولية المعاصرة يتمثل بالتنافس بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية، ويعبّر عن خشيته من أن تخسر الديمقراطيات في هذا الصراع. وبالتالي، إن الحل، من وجهة نظره، هو تعزيز التحالفات مع شركائه الغربيين لمواجهة الصين وروسيا بشكل أفضل.
ويجد بايدن التأييد لهذه المقاربة في الداخل؛ فعلى الرغم من الارتفاع الطفيف جداً في استطلاعات الرأي الداخلية، في نسبة مَن يؤيدون اهتمام أميركا بنفسها وعدم التطلع إلى العالم (ارتفع من 25% في العام 2001 إلى 30% خلال عهد ترامب)، لا نجد تجاوباً حاداً داخل المجتمع الأميركي لنظرية الانكفاء تلك، فقد أظهر استطلاع أجرته مؤسسة "غالوب" في شباط/فبراير 2019 أنَّ 69% من الأميركيين يعتقدون أن الولايات المتحدة يجب أن تؤدي دوراً رئيسياً أو رائداً في الشؤون العالمية، وهو رقم ظل مستقراً نسبياً لعقد من الزمان[1].
ينظر الأميركيون بشكل عام إلى هيمنة الولايات المتحدة وسيطرتها على العالم بمثابة قوة إيجابية وبناءة. ونجد أنّ جزءاً لا بأس به ضمن صنع القرار السياسي الخارجي الأميركي ما زال مقتنعاً بأنَّ من مصلحة الولايات المتحدة فرض قيم النظام الليبرالي وقيم حقوق الإنسان على العالم، وأن هذا يخدم الأميركيين على المدى الطويل، على الرغم من كلفة الانخراط الأميركي لفرضه.
5- التنمية: مشروع عالمي منافس للصين
استطاع بايدن أن يحصل على موافقة قمة السبع لتمويل خطة تنمية عالمية طموحة، سُميت الشراكة من أجل "إعادة بناء عالم أفضل "(B3W)، وذلك في منافسة واضحة لمشروع الصين (مشروع الطريق والحزام). وسيتمّ دفع ما يزيد على 40 تريليون دولار لهذا الغرض. وبحسب بيان البيت الأبيض، إنّ المناطق المستهدفة بالتنمية هي الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل في العالم، وخصوصاً في "أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، إضافةً إلى أفريقيا ومناطق المحيطين الهندي والهادئ".
إذاً، هي رؤية الإدارة للسياسة الخارجية الأميركية خلال عهد بايدن، ومدة نجاحها أو فشلها مرهون بقدرته على تحقيقها في الداخل، وقدرة حزبه على النجاح في الانتخابات النصفية في العام 2022 والسيطرة على الكونغرس، لتمرير القوانين الداخلية، كما يرتبط النجاح والفشل بقدرة الأطراف الفاعلة على الصعيد الدولي، والتي لن تقف متفرجة على الخطة، بل ستقاتل في المقابل بكلِّ ما أوتيت من قدرات.
انتهی/*
*أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
انتهی/*
- إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي «إيصال نیوز» وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً
رقم: 17397